-
12:41
-
10:35
-
18:10
-
16:37
-
16:05
-
12:23
-
11:41
-
18:34
-
18:01
تابعونا على فيسبوك
تقاليد الملكية في المغرب : بين طقوس البيعة ومراسم الحكم
منذ قرون، نسج المغاربة علاقة خاصة مع الحكم الملكي، قوامها البيعة باعتبارها العقد السياسي والديني الذي يربط بين السلطان ورعيته. هذا الطقس الذي يبدو في ظاهره احتفاليا، هو في جوهره إعلان عن شرعية السلطة وضمان لاستمرارها، وقد ظل متوارثا جيلا بعد جيل، محتفظا بخصائصه الفريدة داخل التجربة المغربية.
البيعة.. عقد مكتوب لا شفوي
إذا كانت البيعة في التاريخ الإسلامي ارتبطت بالولاء الشفوي، فإن المغرب انفرد بميزة جعلتها أكثر إلزامية: فقد كانت توثق بالكتابة، يوقّع عليها السلطان وتثبتها شهادة العدول، ما يمنحها قوة قانونية وروحية. هذا البعد التوثيقي حوّل البيعة من مجرد إعلان طاعة إلى عقد سياسي واجتماعي متكامل، كما وصفه المؤرخ ابن أبي الضياف حين أكد أن الكتاب الموثّق يظل محفوظا في مقام مولاي إدريس، مرجعا يلتف حوله الناس إن وقع نزاع أو اعتراض على الحاكم.
طقوس مركبة تعكس مركزية الدولة
خلال العصور الوسطى، عرفت البيعة بروتوكولات دقيقة تختلف باختلاف الدول. ففي عهد الموحدين، كان الخليفة عبد المؤمن يتلقى البيعة في مدينة سلا عام 1151م، بحضور وفد أندلسي جاء يعلن ولاءه له. أما المرينيون فاعتمدوا ترتيبا صارما يبدأ ببيعة أسر بني مرين، تليها القبائل العربية والزناتية، ثم العلماء والعساكر. وكان مشهد تقبيل يد السلطان يتوج هذا الطقس كرمز لإذعان الرعية.
أحمد المنصور.. ابتكار طقوس جديدة
السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي أدخل إضافات نوعية على هذه التقاليد. بعد أن امتلأت خزائنه بغنائم معركة وادي المخازن، أسس طقوسا جديدة أبرزت هيبة الحكم وزخرفته، ليتحول بلاطه إلى مسرح لبروتوكولات مبهرة ألهمت من جاء بعده. هذه الإضافات لم تكن مجرد تفاصيل شكلية، بل رسائل سياسية تؤكد قوة الدولة وهيبتها في الداخل والخارج.
مراسيم "المخزن " وخصوصية الاستمرارية
أطلق على هذه الطقوس لاحقا اسم المراسم المخزنية، وهي شبكة من القواعد تشمل اللباس السلطاني، الاستقبالات الرسمية، مواكب الحج، والاحتفالات الدينية. ومع أن الملك الحسن الثاني فكر في تقنينها عبر خبراء إنجليز، إلا أن نصيحتهم كانت الإبقاء عليها كما هي، حفاظا على خصوصيتها التي تعكس استمرارية غير منقطعة منذ قرون.
الملكية المغربية.. أصالة متجددة
اليوم، ورغم تحولات السياسة العالمية وتطور أنماط الحكم، لا تزال تقاليد الملكية المغربية تحافظ على مكانتها. فالبيعة ما زالت تؤدى في كل انتقال للعرش، مكرسة شرعية الملك الجديد، فيما تظل الطقوس المخزنية تعبيرا عن هوية سياسية وروحية متجذرة في الوعي الجماعي للمغاربة. إنها ليست مجرد بروتوكولات شكلية، بل لغة رمزية تنسج علاقة خاصة بين الملك ورعيته، قائمة على التعاقد والشرعية والوفاء.
من محمد الخامس إلى محمد السادس: استمرارية الطقوس
في العصر الحديث، عزز الملك محمد الخامس هذه التقاليد حين استعاد عرشه بعد المنفى عام 1955، فأصبحت البيعة رمزا لمقاومة الاستعمار واسترجاع السيادة. أما الحسن الثاني فقد أضفى على الطقوس المخزنية طابعا تنظيميا، مستثمرا رمزيتها في تعزيز وحدة الدولة. ومع اعتلاء الملك محمد السادس العرش سنة 1999، تجددت هذه الطقوس في صيغ معاصرة، لكنها احتفظت بجوهرها التاريخي: البيعة كعقد شرعية، والمراسيم المخزنية كرمز استمرارية.
الخط الزمني لطقوس البيعة في المغرب
- 788م – تقديم البيعة للمولى إدريس الأول بفاس: تأسيس أول نواة للدولة المغربية على أساس البيعة.
- 1151م – الخليفة الموحدي عبد المؤمن يتلقى بيعة وفد أندلسي بمدينة سلا، بعيداً عن العاصمة.
- القرن 14م – المرينيون يرسخون بيعة منظمة بتراتبية دقيقة: الأسر المرينية، شيوخ القبائل، العلماء، العساكر.
- 1578م – السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي يبتكر طقوسا جديدة بعد انتصار وادي المخازن.
- 1955م – محمد الخامس يعود من المنفى، وتجدد البيعة تصبح رمزا للتحرر واستعادة السيادة.
- 1961م – الحسن الثاني يعتلي العرش، ويمنح المراسم المخزنية طابعا تنظيميا ورمزيا معاصرا.
- 1999م – محمد السادس يتسلم البيعة، ويعيد إحياء الطقوس بصيغة حديثة، مع الحفاظ على جوهرها التقليدي.